تُبرز المقالة الفروقات بين المفكرين السوريين والعرب من حيث الرؤية، الأسلوب، والمرجعية الفكرية. تُدمج شخصيات مثل سعادة، عفلق، الكواكبي، المنفلوطي، وعبده، وتُظهر كيف أن الفكر السوري يميل إلى الشمولية الفلسفية، بينما الفكر العربي غالباً ما يركّز على الإصلاح المحلي. المقالة تُعيد تعريف الفكر السوري بوصفه مشروعاً حضارياً عابراً للحدود.
شكّل المفكرون السوريون عبر العصور جزاً لا يتجزأ من التراث الفكري العربي، لكنهم أضافوا بعداً خاصاً ينبع من تاريخ سوريا العريق، موقعها الجغرافي، وتركيبها الثقافي المركّب. عند المقارنة بين المفكرين السوريين والعرب يظهر جلياً كيف أثّرت البيئة التاريخية والاجتماعية والسياسية في صياغة الفكر السوري، وكيف تباينت الرؤى والأولويات بين السوريين وأقرانهم العرب في مجالات القومية، الفلسفة، الدين، والسياسة.
من أبرز المفكرين السوريين الحديثين أنطون سعادة وميشيل عفلق، اللذان قدّما رؤيتين فلسفيتين متكاملتين:
أنطون سعادة: أسّس مفهوم “سوريا الطبيعية” بوصفها وحدة حضارية تشمل سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، العراق، وقبرص. لم تكن رؤيته قومية ضيقة، بل مشروعاً فلسفياً يعيد تعريف الأمة بوصفها تفاعلاً بين الجغرافيا والتاريخ، بين الإنسان والمكان، بعيداً عن الانتماءات الطائفية أو العرقية.
ميشيل عفلق: صاغ فلسفة البعث التي تربط بين النهضة العربية، الحرية الفردية، والتضامن الاجتماعي. اعتبر أن الرسالة المحمدية لحظة قومية روحية، وأن الوحدة العربية لا تُبنى بالشعارات، بل بالوعي التاريخي والمشاركة السياسية.
كلاهما جمع بين النظرية والتطبيق، بين الفلسفة والسياسة، واعتبر أن بناء الأمة يبدأ من بناء الإنسان الواعي بمصيره الحضاري.
المفكرون العرب خارج سوريا: الإصلاح في مواجهة الاستبداد
في المقابل، ركّز مفكرون عرب من خارج سوريا على قضايا الإصلاح السياسي والاجتماعي ضمن أطر محلية:
عبد الرحمن الكواكبي (حلب، لكنه يُحسب غالباً على الفكر العربي العام): كتب عن الاستبداد والحرية، واعتبر أن النهضة تبدأ من تحرير العقل من الخوف، في كتابه “طبائع الاستبداد”.
مصطفى لطفي المنفلوطي وطه حسين في مصر: ركّزوا على تطوير الأدب، الهوية الثقافية، والتعليم، دون بناء مشروع قومي فلسفي متكامل.
محمد عبده وجمال الدين الأفغاني: انشغلوا بإصلاح الفكر الديني، وربطوا النهضة بالعودة إلى أصول الإسلام، لكنهم لم يطرحوا تصوراً فلسفياً للهوية الوطنية بوصفها مشروعاً حضارياً.
تعكس هذه الفروقات تأثير البيئة، فالمفكر السوري تأثر بهوية مركّبة، تاريخ طويل من التفاعل الحضاري، وتحديات سياسية عابرة للحدود، بينما المفكر العربي في دول أخرى ركّز غالباً على الإصلاح الداخلي أو مقاومة الاستعمار.
اختلاف الأساليب: من التجريد إلى التطبيق
المفكر السوري يميل إلى الجمع بين الفلسفة والسياسة، حيث تُطرح القومية، الهوية، والدولة بوصفها منظومة واحدة. كما في كتابات سعادة وعفلق، الفكر لا يُفصل عن الممارسة، بل يُترجم إلى تنظيم سياسي، خطاب جماعي، ومشروع نهضوي.
أما المفكر العربي في دول أخرى، فقد يركّز على جانب محدد: الأدب، الاقتصاد، أو الإصلاح الديني، دون ربطه بالهوية التاريخية بطريقة فلسفية عميقة. هذا يجعل الفكر السوري أكثر شمولية، وأكثر قدرة على الجمع بين التراث والحداثة، بين الفرد والمجتمع، وبين النظرية والتطبيق.
التفاعل مع الفكر العالمي: مرونة سورية مقابل محلية عربية
المفكرون السوريون أظهروا قدرة عالية على التفاعل مع الفكر العالمي:
استفادوا من الفلسفة اليونانية، الفكر الإسلامي الكلاسيكي، والنظريات الحديثة في الاجتماع والسياسة.
كما في تأثر سعادة بـ”نشوء الأمم” وعلوم الاجتماع، وتأثر عفلق بالفكر الأوروبي في الحرية والديمقراطية، دون فقدان الخصوصية الثقافية.
في المقابل، بعض المفكرين العرب ظلوا محصورين في إطار التقاليد المحلية أو الفكر القومي الضيق، مما حدّ من قدرتهم على بناء مشاريع فكرية عابرة للحدود.
وفي الختام، تبرز الدراسة المقارنة بين المفكرين السوريين والعرب التميز السوري في الجمع بين العمق الفلسفي والتطبيق العملي، بين التاريخ والحاضر، وبين القومية والحداثة. حيث يظهر الفكر السوري كإرث حضاري متكامل، قادر على تقديم رؤى استراتيجية لفهم الهوية، الدولة، والمجتمع، بينما الفكر العربي الأوسع يقدم أدوات تحليلية لفهم التحولات الاجتماعية والسياسية. هذه المقارنة لا تهدف إلى التمييز، بل إلى تسليط الضوء على تنوع التجربة الفكرية العربية، ودور سوريا كنموذج للتفكير العميق والشامل في المنطقة.
حسان دالاتي، 4/2/2009

















Leave a Comment
Your email address will not be published. Required fields are marked with *