تُبرز المقالة الدور الحيوي للمرأة السورية في الحياة السياسية والاجتماعية، خاصة خلال الثورة، وتُدمج شخصيات بارزة مثل فدوى سليمان، مي سكاف، رزان زيتونة، وسميرة الخليل، مع أمثلة واقعية من حمص، دمشق، إدلب، والغوطة. تُظهر المقالة أن المشاركة النسائية ليست هامشية، بل مركزية في بناء الوعي الوطني، وتُعيد تعريف السياسة بوصفها فعلاً جماعياً يتجاوز المناصب الرسمية.
المرأة السورية ليست مجرد عنصر اجتماعي أو فئة من المجتمع، بل هي تجسيد حي للقوة، الإرادة، والقدرة على التغيير. عبر تاريخ سوريا الطويل، لعبت النساء أدواراً محورية في تشكيل المجتمع والسياسة، من دعم الحركات الوطنية، إلى المشاركة في التعليم والثقافة، وصولاً إلى الانخراط في الحياة السياسية الحديثة. ومع ذلك، تبقى المشاركة السياسية الحقيقية للمرأة السورية تحدياً قائماً، يتشابك فيه التقليد الاجتماعي مع القيود السياسية، والضغوط الاقتصادية مع التحولات الثقافية، مما يجعل تجربتها مرآة لفهم أعمق لديناميكيات السلطة والمجتمع في سوريا.
تاريخياً، كانت المرأة السورية شريكاً فاعلاً في الحركات الوطنية. ففي فترة الاستقلال، برزت أسماء مثل نظيرة زين الدين وفائزة الخوري، اللواتي دافعن عن حقوق المرأة في التعليم والمشاركة العامة، وأسهمن في صياغة الهوية الوطنية. هذه المشاركة لم تكن رمزية، بل فعلية، تجسد رؤية فلسفية تقول إن بناء الأمة لا يتحقق إلا بمساهمة جميع أفرادها، رجالاً ونساءً، في صياغة القرار الوطني.
ومع الثورة السورية وما تلاها من صراعات، ظهرت النساء بشكل أكثر وضوحاً في مراكز دعم المجتمع المدني، والتعليم، والإغاثة الإنسانية. في حمص، برزت فدوى سليمان، الفنانة والمثقفة، التي تحدّت الانقسامات الطائفية، ووقفت إلى جانب المتظاهرين في الساحات، لتُجسّد شجاعة مدنية نادرة، وتُعيد تعريف معنى الانتماء الوطني. وفي دمشق، كانت مي سكاف، “المرأة الحرة”، صوتاً صارخاً في وجه الاستبداد، جمعت بين الفن والموقف السياسي، ودفعت ثمناً باهظاً لموقفها، لتغدو رمزاً للمقاومة الفكرية والثقافية. كما ساهمت رزان زيتونة في تأسيس لجان التنسيق المحلية، وسميرة الخليل في التوثيق والعمل المدني، مما جعل من عملهن نماذج للمقاومة الحقوقية والمجتمعية.
على المستوى السياسي، التحديات التي تواجه المرأة السورية عميقة ومتشعبة. فهي تشمل القيود الثقافية التي تحد من الوصول إلى مواقع القرار، والتفاوت الاقتصادي الذي يؤثر على قدرة المرأة على الانخراط في العمل السياسي، بالإضافة إلى الأزمات الأمنية التي أجبرت ملايين النساء على تحمل أعباء أكبر في إدارة الأسرة والمجتمع في ظل النزاعات. كما في حالة النساء النازحات في إدلب اللواتي أنشأن شبكات دعم محلية لإعادة تنظيم الحياة اليومية، فإن هذه التحديات تجعل من مشاركة المرأة السياسية اختباراً للفلسفة الحقيقية للعدالة والمساواة، ولقدرة الدولة على خلق بيئة تسمح للمواطنين جميعاً، بغض النظر عن الجنس، بالمساهمة في صياغة المستقبل.
المشاركة النسائية خلال الثورة لم تكن هامشية، بل مركزية. في الغوطة الشرقية، ساهمت النساء في التعليم البديل، وإنشاء مراكز دعم نفسي للأطفال، وفي درعا، كانت النساء من أوائل من خرجن في مظاهرات تطالب بالحرية، متحديات القيود المجتمعية والخوف الأمني. هذه المشاركة ليست مجرد نشاط مجتمعي، بل ممارسة سياسية بحد ذاتها، تؤكد أن القدرة على التغيير لا ترتبط فقط بالمنصب الرسمي، بل بالقدرة على التأثير في الوعي الجماعي وصنع القرارات على الأرض. كما تقول الفيلسوفة حنة آرنت، فإن “السلطة الحقيقية تنبع من القدرة على الفعل الجماعي”، وهذا ما جسّدته المرأة السورية في لحظات الأزمة.
علاوة على ذلك، إن تمكين المرأة السورية سياسياً هو اختبار حقيقي لنضج المجتمع السوري. فكلما ازدادت الفرص والآليات التي تتيح للمرأة المشاركة، تعززت قيم الديمقراطية، العدالة، والمساواة، ليس فقط كأفكار نظرية، بل كممارسة حياتية ملموسة. المشاركة النسائية ليست هدفاً ذاتياً، بل وسيلة لبناء مجتمع أكثر تماسكاً واستقراراً، قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، مستمداً قوته من تنوعه وشموليته.
وأقول، المرأة السورية تمثل القوة الكامنة في المجتمع، والتحدي المستمر للهيكل السياسي والاجتماعي التقليدي. دورها في السياسة ليس مجرد حق مكتسب، بل ضرورة استراتيجية وبوصلة فلسفية لفهم معنى المشاركة الحقيقية في بناء الأمة. إن قصص الصمود، القيادة، والإبداع التي قدمتها النساء في سوريا عبر التاريخ الحديث والمعاصر، من فدوى سليمان إلى مي سكاف، ومن رزان زيتونة إلى سميرة الخليل، تجعل من المرأة السورية رمزاً للقدرة على التغيير، ومستقبل الأمة مرهون بتمكين جميع أفرادها، رجالاً ونساءً، من المشاركة الكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية.
حسان دالاتي، 26/5/2018

















Leave a Comment
Your email address will not be published. Required fields are marked with *